يقول الله تعالى:
“أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها، والله يحكم لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب” (الرعد/41)،
ويقول عز وجل “..أفلا يرون أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها، أفهم الغالبون”؟
(الأنبياء: 44)
والأرض سطح غير مستو، ففيه قمم عالية، وسفوح هابطة وسهول، وجميعها اطراف، ثم إن الارض شبه كرة، ولها قطبان، وخط استواء، وهذه أطرافها والمحيطات كذلك هي اطراف الارض.
وجميع هذه الاطراف في تناقص مستمر، ولم تزل حتى نهاية الكون.
اما انقاص الارض فللعلماء فيه آراء فمنهم من يرى ان عوامل التعرية تأكل من قمم الجبال، وتلقي بها في المنخفضات ومنهم من قال: “ان طغيان البحار على اليابسة انقاص للأرض. وكذا فيضانات الانهار، وقال غيرهم انه نتيجة لدوران الارض حول محورها قد انبعجت قليلا عند خط الاستواء، وتفلطحت قليلا عند القطبين، والفرق بين القطر القطبي والقطر الاستوائي للارض هو 42كم، وكل هذه الظواهر هي إنقاص للارض.
اضافة الى انبثاق ملايين الأطنان من الغازات والابخرة والمواد السائلة والصلبة من فوهات البراكين سنويا، يؤدي الى انكماش الأرض.
التفسير الحديث
أما التفسير الحديث فيقرر انكماش الارض باستمرار “ننقصها” - “الفعل المضارع يشير الى الحدث في الحاضر والمستقبل معا لغويا” فهي تنكمش أي تنقص من كل اطرافها وهي اقطارها.
ويرى العلماء المحدثون ان سبب الانكماش الحقيقي هو خروج الكميات الهائلة من المادة والطاقة في هيئة غازات وابخرة ومواد سائلة وصلبة. تنطلق عبر فوهات البراكين بملايين الاطنان، بما ينتهي الى انكماش الارض.
ويؤكد العلماء ان أرضنا الابتدائية كانت على الأقل مائتي ضعف حجم الارض الحالية، وهذه الظاهرة (الانكماش - النقصان) للأرض لم تعرف حقيقة علمية كونية الا منذ بضعة عقود، في حين انها ثابتة في اعجاز مبهر في القرآن الكريم. قبل الف واربعمائة سنة، كما في الآيتين السابقتين.
دحوّ الأرض
يقول الله سبحانه وتعالى: “والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها”، (النازعات: 30 - 31).
ورد (الدحو) في اللغة بمعان شتى.
منها: التكوير، مثل الدحية، وهي البيضة في احدى اللهجات العامية.
ومنها: مدحى النعامة: موضع بيضها الذي توسع فيه الرمل والتراب، لتضع بيضها على مكان يناسبه هشا في لحظة وضعه، فلا يهشمه.
والدحو كذلك: المد والبسط، والالقاء والازاحة، وهذا ما يخرج من الارض، بما يمدها بادامة الحياة عليها، وهي مرحلة توارث بركانية عنيفة. خرج من فوهاتها ولا يزال يخرج كل الغلاف المائي، وكل الغلاف الغازي للارض وكثير من المواد الصلبة، التي كونت قشرتها الخارجية، ولم تزل الثورات البركانية طيلة بقية عمر الأرض المقدر ب”600,4 مليون سنة” ولكنها أقل كثيرا مما كانت في مرحلة الدحو.
سئل ابن عباس رضي الله عنه عن معنى (دحاها) فقال: “فسرها ما جاء بعدها أي أخرج منها ماءها ومرعاها).
ولعل (مرحلة الدحو) هي التي ذكرها القرآن الكريم في (سورة فصلت: 10) “وجعل فيها رواسي من فوقها، وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها في أربعة ايام، سواء للسائلين”. وان هذه البركة وتقدير الأقوات عليها، هي لاعدادها لاستقبال حياة الانسان عليها في اخطر مرحلة من مراحل الخلق التي استغرقت أربعة أيام من أصل (ستة أيام) في خلق السماوات والأرض معا، وان اليوم الواحد من ايام الله يساوي الف سنة من سنوات الانسان، او أنه مرحلة من مراحل الخلق، وليس المقصود يومنا الحالي الذي يبدأ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها، إذ لم يكن في فترة الخلق ليل ولا نهار، ولا أرض ولا شمس ولا شروق ولا غروب.
هذا هو الدحو هو اخراج الماء والمرعى من الأرض.
تطابق علمي
أما اخراج الماء على الارض، على كثرته، فقد انبثق أصلا من داخل الارض علما ان درجة الحرارة داخلها تزداد تدريجيا مع العمق ام كل 30م، حتى تصل الى حوالي (0000,6م) في مركزها. وهي نفس درجة حرارة الشمس على سطحها.
ويعتمد اخراج المرعى على الغازات التي تخرج من فوهات البراكين، مثل ثاني اكسيد الكربون، وأكاسيد النتروجين، وهي اللازمة لحياة النبات وادامته، بأزهاره وسيقانه وأوراقه وأخشابه، مضافا اليها أملاح الأرض ومعادنها، والماء وأشعة الشمس.
ويعبر القرآن الكريم عن معنى الدحو الحديث، باخراج الماء والمرعى بآية معجزة كريمة “والارض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها” (النازعات:30-31) وهذا تطابق علمي واعجاز قرآني في أن ماء الارض قد خرج من داخل الارض، والماء كل ما يؤدي الى الانبات من مراع وجنات ذات بهجة، خرج كذلك من داخلها.
واكثر من 70% من مجموع الغازات المتدفقة من فوهات البراكين هو بخار الماء الذي أنتج المياه على سطحها، كما أن من هذه المياه ما قد تخرج من الأرض من خلال العيون والينابيع والآبار.